أحدث الموضوعات

رواية بهابيهو (الجزء الرابع)


رواية بهابيهو 

رواية بهابيهو (الجزء الرابع)

رواية بهابيهو (الجزء الرابع)

(4)

ابتسم بهاء وهو يتأمل عثمان الذي عاد للمذاكرة، فهو هنا معه منذ دخل هذه المستشفى، 
يذهب للمدرسة ثم يعود إليه يجلس عنده حتى الليل ثم يرحل إلى المنزل للنوم ويعود له مرة أخرى عند الفجر قبل الذهاب لمدرسته!
رغم أن بهاء أصرّ عليه أن يزوره ساعة في اليوم ويكفي لكنه لا يقتنع، ويجب أن يجلس معه طول الوقت،
فهما متعلقان ببعضهما جدا منذ سنوات طويلة.

التفت بهاء إلى الأريكة البيضاء الموجودة في نهاية الغرفة التي يجلس عليها عثمان، وهو يقول بهمّة:
 هلّا ساندتني لأجلس على هذه..
قال عثمان باستفزاز دون أن يُبعد عينيه عن الكتاب: لقد كبرت يا عزيزي بهاء، يجب أن تمشي لوحدك!
ثم ضحك ضحكة عالية قبل أن يقول بهاء في ازدراء: يا لك من وغد!
ثم قال عثمان وهو يتمدد على الأريكة بأريحية أكثر: وعلى فكرة لا سبب لجلوسك هنا لأنني مستلق الآن!
قال بهاء بإباء وعزة: سوف أقوم وحدي يا حبيبي، لا أحوجنا الله إليك!
ضحك عثمان بحماسة وهو يقول متطلعًا: ماذا ستفعل؟ هيا أرني كيف ستقوم وحدك أيها البطل!

لم يرد بهاء على تلك الجملة المستفزة، بل أنزل قدميه على الأرض الناعمة،
كان يريد أن يُري عثمان كيف أنه غير محتاج إطلاقًا له، 
وأنه سيمشي وحده، رغم أن الطبيب حذره من مغبّة ذلك، لكن ذلك المستفز...
ثم تغيرت ملامحه فجأة للجد وهو يقول: آه صحيح ما آخر الأخبار؟
زفر عثمان بضيق وهو يقول: لم يعترف بعد أي شرطي بأنه أطلق النار على بهابيهو!
رغم أنني كنت أتوقع ذلك بسبب حكايتك التي قلتُها لي.
قال بهاء بدهشة: ولكنني واثق تمامًا بأن من أطلق عليّ النار شرطي! ولكنه كان ذو نظرات غريبة شامته، 
ورفع مسدسه دون تردد، حتى لم يقل لي مثلا استسلم وإلا أطلقت النار،
 بل فعلها مباشرة وكأنه مأمور بذلك، أو أنه يفعل من نفسه!

فقال عثمان في حيرة:
أحد الرجال قال إنه فقد وعيه بسبب حديدة هوت على رأسه فجأة وعندما أفاق لم يجد مسدسه! ولا زال مختفيا!
اتسعت عينا بهاء في دهشة ثم عقد حاجبيه وهو يقول:
أتعلم يا عثمان؟ يراودني شعور قوي أن هناك صلة بين المسدس الذي سُرق والشرطي الذي أطلق علي النار! 
هل تظن أنه شرطي مزيف؟
أطرق عثمان برأسه في تفكير قائلا: نعم، هناك صلة بالفعل! 
ماذا لو أن هذا الشرطي الذي أطلق عليك النار هو من ضرب زميله وسرق مسدسه، ولكن هناك تفسير آخر..
 أن هذا الشرطي الذي قابلته لم يعترف لنا بفعلته لكيلا يحاسب، فقد خالف القوانين عندما استخدم المسدس،
 فالشرطة لا تقبض على المجرمين بهذه الطريقة!

هزّ بهاء رأسه وهو يقول:
 لا، أعتقد أن الاحتمال الأول هو الأقرب إلى الصواب، أو أن الذي أطلق علي النار ليس بشرطي أصلًا!
وسكت وهو يحدّق بباب غرفته الذي طرق عليه أحدهم،
 وفوجئ الاثنان بالأستاذ طارق يدلف إلى الغرفة متبسما بحلّته السوداء الرسمية!
هتف بهاء في دهشة: أبي؟؟! لماذا عُدت؟

ضحك والد بهاء وهو يجلس على الأريكة بجانب عثمان الذي أنزل قدميه بسرعة مُحرجًا واعتدل في جلوسه،
 وطارق يقول ضاحكًا: ما بك يا بني؟ ألن ترحب بي؟
قال بهاء في حرج:
 بل سأرحب، مرحبا بك أبي. ولكن أقصد أنني مستغرب لأنك قبل قليل جئت مع أمي وقد قلت لها أن لديك أعمالا!
فقال عثمان في خبث: هل تكذب على زوجتك؟
ضربه طارق ضربة خفيفة على فخذه فضحك عثمان بينما قال طارق: 
نعم، كنت أقصد أن الأعمال التي عندي هي الكلام معك! 
لم أستطع الحديث بشأن ما حدث بسببها، كنتُ أريد معرفة كل شيء يا بهاء.. أنت لا تعلم مدى قلقي عليكَ الآن!
ثم ابتسم ابتسامة مُشفقة بعينين حنونتين.

ابتسم بهاء في امتنان وأطرق رأسه قائلًا:
 آسف يا أبي لقلقك، ولكن ما حدث كان رغما عني، وبالفعل أحتاج أن أخبرك بكل شيء لكي نتمكن من إيجاد حلٍّ معًا.
نظر إلى عثمان وقال: لقد أخبرتُ عثمان كل شيء، ولن أخفي شيئًا.
ثم تنهد وبدأ في قصّ ما حدث، منذ استلم تلك الرسالة وحتى استيقظ فوجد نفسه في المستشفى،
 وطارق يتابعه باهتمام، حتى انتهى فعلّق بهاء قائلا: 
وقبل قليل قال عثمان عن الشرطي الذي أصابني احتمال أنه ليس شرطيا حقيقيا وقد سرق المسدس!
نظر طارق إلى عثمان الذي قال: 
عندما نفكر بطريقة منطقية نجد أن الحادث كله كان كمينا لبهاء، منذ تلك الرسالة الغامضة وحتى هذا الشرطي المُريب، 
لا أدرى ما العلاقة تحديدا ولكن هناك بالتأكيد خيط يصل بين جميع هذه الحوادث يا أستاذ طارق..
أومأ الأستاذ طارق برأسه موافقا ثم قال في صوت عميق: أتعلم يا بهاء؟ 
عندما قلتَ لي أنك قفزت على أسطح المباني قفزات طويلة وابتعدت على الأقل كيلومترين عن موقع الشركة، 
دّهشتُ جدا عندما عرفت أن شرطيا كان يتبعك،
 فهذا يعني أن لديه قدرة كبيرة على القفز مثلك تماما ولديه قدرة أيضا على التسلل من فوق الأسطح بسهولة تامة دون أن تلاحظه أنت!

قال بهاء في دهشة: بالفعل يا أبي، كيف لم أنتبه لهذه النقطة؟ أعتقد أنني كنت خفيفا جدا في القفز 
وأبدو كالشبح الأسود مما يقلل من احتمالية رؤية أحدهم لي،
 فلماذا رآني هذا الشرطي بالذات ولماذا تبعني كل تلك المسافة بخفة وبراعة ثم أصابني..
 إنها نقطة محيّرة!

أطرق الجميع في تفكير عميق، ثم قال بهاء فجأة محرجا وهو يتنحنح: أبي معذرة ولكن.. أقصد ابن عمك مبارك هذا تثق فيه؟ 
نظر إليه طارق بهدوء فتوتر بهاء وهو يتخيل أنه قد شكك في صديق والده، فقال في إحراج: عذرا أبي لم أقصد شيئا ولكن..
قاطعه طارق في هدوء وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة: لا أثق فيه!
نظر إليه الاثنان بدهشة فأكمل طارق: صحيح أنه زميلي منذ أمد بعيد ولكنني لستُ أثق به!

ثم قال عابسا:
 لا أدري لمَ شعرتُ بشعور سيء حياله؟! وعندما عدتَ في تلك الليلة وعرف هو بأمرك شعرت بقلق غريب يجتاحني..
ثم غمغم في شرود: أعتقد أنه من أول المشتبه بهم.
فقال عثمان في ارتباك بعد فترة من الصمت: 
ولكن يا أستاذ طارق، أظن أنه من الأفضل أن نؤجل الحكم عليه حتى تثبت إدانته بدليل قوي،
 فلا يجب الحكم عليه بمجرد شعورنا السيئ تجاهه فقط.. أعني ربما نتهمه ظلما ولا يكون مذنبا!

ابتسم طارق قائلا: أحسنتَ يا بني، الظن السيئ إثم! ولكننا الآن نفكر في إمكانية كونه من المشتبه بهم.
وأما بهاء فقد كان شاردا، ثم سأل فجأة: عثمان أين الملف الذي كان معي بالأمس؟
تذكر عثمان فقام سريعا حيث حقيبته المدرسية وأخرجه، 
كان في داخله بضع أوراق ملطخة بالدماء التي نتجت عن إصابته سابقا، فقال عثمان:
 وجدته في سُترتك البارحة، فحملته معي لكيلا يجده أحد.
أمسكه بهاء بهدوء وقد أومأ برأسه شاكرًا، ظل يفتح الورق ويقلّب فيه بتركيز والاثنان يراقبانه بصمت،
 أغلق الملف فجأة وملامحه تُعبّر عن الإحباط والألم، ثم أمسك رأسه وهو يُطرق برأسه قائلا بضيق:
 أبي! كل شيء يشير إلى وجود فخ لي وأنا بكل غبائي وقعتُ في هذا الفخ! هذا الملف وجدته في الشركة التي اخترقتها، 
لم أجد أي دليل فأخذت هذه مسرعا وأنا أرجو أن تكون هذه هي دليل إدانتهم، 
كلها رسائل شكر وتقدير من عملاء هذه الشركة ومن المؤسسات الرسمية،
 مما يعني أنها سليمة وشريفة قطعا.
اقترب طارق ليربت على كتفيه في إشفاق قائلا: اهدأ يا بهاء! سنجد حلا بالتأكيد،
 سنعرف من هذا الذي جهز لك هذا الفخ! لكن يجب أن نضبط أعصابنا أولا.
_
زفر المفتش عمير بإرهاق وهو ينظر إلى الورق الذي أمامه، ثم سمع طرقا على الباب فأمره بالدخول،
 دخل شرطيان وهما يحملان في يديهما أكياسا شفافة صغيرة تحتوي على رصاصة صغيرة،
 فوضعاها أمامه على المكتب والأول يقول في تهذيب:
 سيدي وجدنا تطابق هذه الرصاصة مع مسدساتنا، عيار 9 مم، أي أن هذه الرصاصة أُطلقت من مسدس شرطي، 
وهذه الرصاصة هي التي استخرجناها من جانب بهاء الأيمن ضحية بهابيهو.
فقال المفتش عمير مستغربا: ما الذي تقوله؟ لقد أُصيب بهاء على يد بهابيهو، فكيف يملك بهابيهو مسدس شرطي؟ 
قال الشرطي بحيرة: لا أعلم تفسير امتلاكه لمسدس من مسدساتنا يا سيدي ولكن...
قال عمير فجأة: ربما تكون من المسدس الذي سُرق!

لم يتكلم الشرطيان، وظلا يتابعان عمير الذي وقف بانفعال وهو يقول: نعم ربما أُصيب بهاء من المسدس الذي سُرق!
ثم أمسك ذقنه في تفكير عميق وهو يقول: ولكن بهابيهو هو الذي أطلق على بهاء! هل معناه أن بهابيهو هو الذي سرق المسدس؟
ثم أكمل دون أن ينتبه للشرطيين:
 ولكن كيف يسرق بهابيهو المسدس من الشرطي ذلك بكل بساطة؟! 
ولماذا يسرقه أصلا، هل كان يعلم أنه سيقابل ابني وصاحبه؟ 
ثم صاح في غيظ: لا! هذا خطأ!
جاء ليأخذ نفسا عميقا، فوجد الهاتف يرن، أشار للشرطيين بالانصراف، ثم رفع السماعة وقال بصوت منفعل: نعم؟
وجد صوتا هادئا يقول: مرحبا، المفتش عمير؟
قال عمير بعصبية: نعم أنا! من أنت وماذا تريد؟
قال الصوت الهادئ: أنا فاعل خير!
صرخ فيه عمير: لا أريد سخافة هنا! سأغلق الخط!
ولكن ذلك الصوت قال بلهفة: انتظر أيها المفتش، لدي معلومات مهمة!
قال عمير من بين أسنانه: تفضل قلها!
ابتسم الصوت الهادئ قائلا:
_اتصلتُ بك لكي أقول لك على قضية بهابيهو التي عندك..
_وماذا تعرف أنت عنها؟
_أعرف الكثير، ولكن خذ نفسا عميقا واجلس!
_كيف عرفت أنني واقف؟
_من عصبيتك وطريقتك فأنت لا تستطيع الصراخ إلا وأنت واقف!
جلس المفتش عمير بهدوء وهو يحاول ضبط أعصابه، ثم غمغم في ضجر:
_ماذا الآن؟
_حسنا، في الحقيقة ما لدّي، عندي أدلة قوية بشأنه وأنا واثق أنك لن تصدقني إلا معها!
_لماذا تتكلم الألغاز، هيا قل المعلومات ولا تتفلسف وإلا أغلقت الخط في وجهك!
_أنتَ ظريف حقا.. ولكنك مُجد!
_إن لم تتكلم فوالله الذي لا إله غيره الخط سيُغلق مباشرة دون ندم!

ضحك ذلك الصوت الغامض الذي يبدو أنه يحاول تطويل المكالمة بلا داع، وتنفس عمير الصعداء حين قال الصوت الهادئ: 
_اسمع، بهاء صديق ابنك هو بهابيهو! وسأخبرك بخطته لخداعك.. اعتبرني رجل شرطة قديم.. وساعدني على التحقيق في هذه القضية!
_هراء.. أنت لا تعرف بهاء كما أعرفه.
_ كثير من الناس يبدو أمامنا بمنظر طيب ومسكين، ولكننا نفاجأ بأنه داهية!
_لا أعتقد أن بهاء كما تقول، فقد ربيته مع ابني منذ صغره وكذلك والده ربّى ابني.
_هذه هي المصيبة، أعطيته الثقة العمياء وأنت لا تعلم مقدار شرّه!
_ألم تقل عن وجود الدلائل؟ هيا قلها وإن كنت أعتقد أنها غير صحيحة، وكف عن توجيه الاتهامات.
_أولا لنفكر معا، هل قبضتم على بهابيهو لحد الآن؟
_لا.
_لقد تقابل ابنك وبهاء قبل آخر اختفاء لبهابيهو، 
ولمّا وجدوه أمامهما أخذ بهابيهو بهاء رهينة وأجبر عثمان أن يضع له السلاح، فأخذه وأصاب بهاء ثم هرب،
 وهذا يعني أن بهاء مُصاب بمسدس عثمان الذي يختلف عن مسدسات الشرطة، 
ولكن ما حدث هو أن الرصاصة التي استخرجتموها من بهاء كانت تُطابق رصاصات الشرطة! أليس هذا عجيبًا؟
_كيف عرفت بكل تلك المعلومات يا هذا؟
_يمكنك القول إن لديّ مصادري الخاصة!
_ تبا، هل أنت صحفي؟
_ لا، اطمئن هذه المعلومات أسرار بيني وبينك! لا أحد يعرفها غيري.
_ وما الذي كنت تريد قوله من باقي الدلائل؟
_حسنٌ، خذ عندك هذا الاختلاف، الرصاصة التي استخرجوها من بهاء تطابق رصاصات مسدس الشرطة،
 وفي قصة ابنك المزيفة يقول إن بهابيهو أطلق من مسدس عثمان! إذن ولدك يكذب.

شعر عمير بالقلق عندما وجد هذه المعلومات صحيحة فعًلا، وبدأ الارتياب في ابنه، ولكن صوت ذلك المجهول تابع بكل ثقة:
_اعلم أن عثمان يكذب عليك لأجل إخفاء جُرم صديقه! 
ودليل ذلك، هو أن تذهب إليه وتقول له هذه النقطة التي قلتها لك، ستجده يغير أقواله، وربما يقول لك: 
آسف لم انتبه أن بهابيهو كان معه مسدس شرطة وأطلق منه!
سكت عمير وقد تسارعت أنفاسه عندما تخيل احتمال أن يكون ابنه بالفعل كاذبًا.
_هل تذكر ما حدث في البارحة؟
_نعم.
_بعد أن حملتم بهاء إلى الإسعاف، أكملتم بحثكم عن بهابيهو
 لأكثر من ساعتين ولكنكم لم تجدوا له أثرًا، كأنه تبخر، أليس كذلك؟
_ بلى!
_هو بالفعل تبخّر في المستشفى مع عثمان!
_أتمزح؟
_ لا، ولكن هذا هو التفسير الوحيد.

قال عمير في دهشة: ولكن من المستحيل أن يكون بهاء هو بهابيهو وعثمان يكذب علي!
 فنحن وجدنا بهاء بملابس أخرى ليست بملابس بهابيهو..
_عثمان ولدك نزع ثياب بهابيهو عن بهاء، وألبسه ثيابا مختلفة، 
ولكنها تلطخت بالدماء لشدة نزيف بهاء فظننتم أنها ملابسه العادية ولم تشعروا بالفرق!
 والدليل على هذا هو وجود ملابس بهابيهو الحقيقية في زقاق ضيق هو نفسه الذي كان فيه بهاء، وفيها أثر الرصاصة والدماء.
_سأرسل بعضا من رجال الشرطة لإحضار هذه الملابس، والويل لك إن كنت كاذبا.
_لا تقلق يا سيدي.. أثق تماما أنك ستقتنع بكلامي! 
أتمنى ألا تخيب رجائي، في القبض على بهابيهو، وتذكر أن الحق أغلى من أي شخص حتى ولو كان ابنك!
 فإنك إذا أثبت أن بهاء هو بهابيهو، سيحاول أن يكذب عليك كذبة جديدة فلا تصدقه! إلى اللقاء.

ثم سمع المفتش عمير الخط يُغلق، فوضع السماعة، وهو ينظر بشرود إلى كل شيء، كان في داخله منهارا،
 كيف يكون عثمان يكذب عليه؟ وكيف يكون بهاء هو بهابيهو اللص الذي يسرق المجوهرات والأموال بدون أي ضمير؟
لا شك أنه في حلم! لا شك أن هذا الشخص كاذب ويحاول فقط الإيقاع بينه وبين ابنه، 
على العموم هو سيذهب لعثمان ويقول له ما قال ذلك الرجل الغامض! وليرى ردة فعله..
كان متأكدا من براءة بهاء، مئة بالمائة، ولكن كلام هذا الرجل جعله يشك فيه حتى أصبحت خمسين بالمائة!
 فبالتأكيد لن يصدق كلام رجل غريب على أية حال!

_

دخل المفتش عمير إلى غرفة بهاء ليجده مع عثمان مشغولين بقراءة الكتب، 
حاول ألا يُظهر لهما أي غضب وانفعال، ثم جلس متبسما وهو يسأل بهاء عن حاله.
تجاوب الاثنان معه وتركا كتبهما جانبا، وعثمان يسأله في اهتمام: ما آخر الأخبار يا أبتِ؟
بدت ملامح الجدية على وجه عمير وهو يقول: 
أتعلم يا بني عثمان، المسدس الذي أخذه بهابيهو وأطلق منه على بهاء كان مسدسك صحيح؟
أومأ عثمان برأسه في إيجاب، فأكمل الأب وهو يتظاهر بالتفكير العميق:
 ولكننا فحصنا الرصاصة التي استخرجناها من بهاء، وجدنا أنها تُطابق رصاصات مسدس الشرطة وليست رصاصاتك.

اتسعت عينا عثمان في ارتباك وحاول أن يقول بثبات وسرعة:
 ربما يا أبي بهابيهو كان معه مسدس شرطة!
 ربما ولستُ متأكدا.. أنت تعلم أن المكان كان مُظلمًا ولعلي لم أستطع تمييز نوع المسدس الذي أطلق منه!
أطرق المفتش عمير برأسه متظاهرا بالتفكير، ولكنه كان في الحقيقة مندهشا ومصدوما!
 لقد حدث ما قال له ذلك الرجل الغريب، لقد غيّر عثمان أقواله بالفعل! إذن هو يكذب عليه.
وفي الوقت نفسه همس بهاء لعثمان بخفوت: أيها الأحمق لمَ تكذب؟
همس له عثمان أيضا بنفس الصوت: لم أكذب، لقد قلتُ ربما! 

وقاطع همسهم صوت المفتش عمير عابسا وهو يخرج من الغرفة قائلا بصرامة: عثمان، أريدك قليلا!
تبادل بهاء وعثمان النظرات المستغربة، ثم خرج عثمان في سرعة، 
وجد أباه يستند على أحد جدران الممر، فاتجه له قائلا: ماذا يا أبي.
رفع عمير رأسه إليه متجهما، فقال عثمان قلقا وهو يرى غضب أبيه على هذا الشكل: ماذا هناك؟
قال عمير بغيظ وهو ينظر إليه نظرات حادة: هكذا إذن! تكذب علي أنت وصديقك وتتشاركان في الكذبة نفسها! 
وتُخفيان عليّ حقيقة أن بهاء هو بهابيهو اللص الهارب؟

_

ليست هناك تعليقات

تعليقاتكم دوما تُشجعني، فشكرُا جزيلا لكم