أحدث الموضوعات

رواية بهابيهو (الجزء الأول)


رواية بهابيهو

رواية بهابيهو (الجزء الأول)

رواية بهابيهو (الجزء الأول)


(1)

تلوثت ملابسه الرمادية الفاتحة بدمه الأحمر النقي، شعر بالغثيان، سيفقد الوعي،
 فقد أصُيب برصاصة حيّة في جانبه الأيمن قبل قليل!
استند إلى حـائط الزقاق، ثم جلس وهو يغمض عينيه في ألم،
 كادت صرخة قوية تنفرج من بين شفتيه إلا أنه كتمها بصعوبة، فقط اكتفى ببعض الأنين..
كان يمشي في زقاق ضيق مظلم، يمشي بلا وعي، بدون أن يفكّر من الألم، 
لا يدري إلى أين يذهب؟ إلى أين يلجأ؟

بهاء هو فتى في الصف الثالث الثانوي، طويل القامة بعض الشيء، لديه جسم رياضي فهو من المشاركين في رياضة الكونغ فو والكاراتيه،
 ويستطيع القفز بمهارة كالفهود.
شعره أسود له بريق لامع وهو ليس بالناعم الحريري، وليس بالمجعد الخشن،
 وإنما شعر سهل جميل فيه بعض الخصلات السوداء تنحدر من شعره القصير على جبهته المستوية، 
حتى تكون فوق عينيه الكحيلتين الرماديتين.
كان يضغط على أسنانه بقوة، كاد يكسرها،
 لكنه لم يستطع التراخِ وهو يعلم أن رجال الشرطة يبحثون عنه الآن بكل إصرار.
سيتهمونه أنه بهابيهو! _ وهو فعلا بهابيهو _


أغمض عينيه مرة أخرى في ألم، لكنه سمع خطوات شخص تقترب منه، فتح عينه في حذر..
 وقام وهو يستند إلى الحائط بيده اليمنى، أما يده اليسرى فقد كان يُمسك بها جنبه الذي استمر تدفق الدم منه،
 كانت الرؤية عنده مشوشة لأقصى حد، فلم يعرف من الذي اقترب، سمع صوتا مألوفا لديه يقول في فرح:
أخيرا وجدتك.. بهابيهو! تعال أسلّمْك لرجال الشرطة.

عرف صوته فورا.. إنه عُثْمَان، قال له في ضعف: عثمان. مهلا.
لم تستطع قدماه التحمل، همّ أن يهوي على وجهه، لكن عُثمان أمسكه قائلًا: ولماذا مهلا؟ 
أنت مصاب، سوف تُعالج ثم تُحاكم بتهمة السرقة!
ابتسم في ألم، وقال: إنني أعلم أن السجن مصير اللصوص حتى تثبت إدانتهم وبعد ثباتها أيضًا، 
فلطالما سمعتك وأنت تحدثني عن عقاب المجرمين لأنك ابن مفتش.
ثم اقترب أكثر من عُثمان حتى صار وجهه أمامه مباشرة، وأزاح وشاحه الرمادي عن وجهه ونظر إليه نظرة باسمه..
حين رآه عُثمان هتف قائلا: بهابيهو.. أنت.. أنت بهاء؟
هتف بهاء بغضب: لا يا أبله، أنا لست بهابيهو، أنا بهاء!

 ثم راح يقاوم عينه التي تأبى إلا أن تفقد وعيها، ودقّـق عُثمان النظر إلى بهاء، صديقه العزيز الذي لم يفارقه من السنة الأولى الابتدائية!
ووجده حقا نفس الملامح، الأنف الصغير، والعينين المائلتين إلى اللون الرمادي الغامق الباهت،
 كما أنه نفس بشرته البيضاء القمحية، وأيضا، ملابسه البيضاء المائلة للرمادي الباهت، حذاؤه الرمادي، 
والعصابة الرمادية التي يربطها على رأسه، كل هذا يُثبت أن هذا الشخص هو بهاء صديق عثمان الغالي.
حدّق إليه ثم سأله فجأة: ما هو الخنفشار؟

ابتسم بهاء بسخرية رغم ألمه وقال بقليل من المرح: 
طاولتان بجانب بعضهما البعض! وصديقان حميمان!
ثم لم يستطع بهاء التحمل، فسقط جاثيا على ركبتيه، في حين هتف عُثمان فرحا وهو يعانق بهاء: يا حبيبي، إنه أنت، أنت بهاء الذي أعرفه!
كانت تلك كلمة سر بينهما، اقترحاها حينما شاهدا فيلما عن تزوير الأشخاص، 
وعمليات التجميل التي أصبحت تجعل الإنسان يطابق إنسانا آخر، كانا يقترحانها على سبيل المرح والتشويق، 
ولكن عثمان سأله هذه المرة ليتأكد من أن هذا صديقه، إذ لا أحد سمعهما يومئذ.

فتح بهاء عينيه بينما عثمان يسنده، رآه يُخرج جهاز اتصال لاسلكي من جيبه، ويضغط زرّا في أعلاه، ثم يقول:
 أنا هنا أبي، لقد ألقيتُ القبض على بهابيهو! 
اتسعت عينا بهاء دهشةً وخوف، وغمغم: أنا يا عثمان لست..
قطع حديثه ابتسامة عثمان البسيطة وهو يخرج مسدسا صغيرا من جيبه الكبير في سترته، ويقول بهدوء:
لقد أعطانيه أبي لأوقات الشدائد، لا تقلق معي ترخيص بحمله.
أخرج مسدسا من جيبه، نظر إلى وجهه نظرة مبتسمة مرحه لا تناسب الموقف، 
وهو تفاجأ منه.. أمن المعقول...؟ 

هذا من سابع المستحيلات بالطبع؛ فبهاء هو صديق عثمان المقرب جدا، يكاد يكون توأم روحه، بل هو توأم روحه بالفعل!
 لن يجرؤ على أذيته بأي حال من الأحوال، ونظر إلى وجهه الشاحب قائلا بابتسامة متألمة: بهاء.. هل ظننتَ أنني سأؤذيك؟
ارتسمتْ ابتسامة باهتة على شفة بهاء الدامية، فقال وهو ينظر إلى عينيه مباشرة: طبعًا.. لا!
ثم ارتخى جفناه ببطء ليفقد وعيه بين يديْ عثمان، الذي نظر إلى وجهه الهادئ بصمت، ثم أكمل عمله!

__

فتح عينيه قليلا، ثم فتحها أكثر، بياض في بياض!
أهو ميت؟
إنه يشعر بالبرد وبألم بسيط في جنبه، و..
فجأة رأى وجه عثمان أمامه، وخلفه والده، كاد أن يقوم من فرط الفزع لكنه لم يقدر على هذا!
 وهو يتخيل أنهم قد عرفوا حقيقته وسيقبضون عليه.
وسمع المفتش عمير (45 سنة) يقول ابتسامة واسعة: الحمد لله على سلامتك.

ثم أكمل بحسم: إذا سمحتَ أن تحكي لي ما حصل منذ تواجدتَ في ذلك المكان، وكيف أصابك بهابيهو وهرب؟
انتبه بهاء بذكاء إلى خدعة عثمان، يعرف الكثير عن صديقه، يستطيع أن يفهم عثمان من نظرة واحدة لعينيه السوداويتين الفاحمتيْن!
اقترب عثمان من والده قليلا وهو يقول: لكن يا أبي بهاء استيقظ للتوّ فقط و..

قاطعه عمير بغضب مكتوم: عثمان.. أرجو ألا تتدخل بيني وبين بهاء، هو صديقك فعلًا لكنه الآن شاهد على جريمة مهمة،
 والطبيب قال إن بإمكانه الكلام فور إفاقته، إصابته ليست خطيرة ولله الحمد.
سعل بهاء ليلفت نظر عثمان وأبيه إليه، فالتفت الاثنان إليه باهتمام، وسأله المفتش عمير بلهجة قلقة حاول أن يُخفيها: هل أنت بخير؟
أومأ بهاء برأسه إيجابا، ثم سأل بصوت مبحوح: كم الساعة الآن؟ 
قال عمير وهو ينظر إلى ساعته بتلقائية: الساعة الآن الخامسة فجرًا!
هتف بهاء بفزع: يا إلهي! 

ثم قام جالسًا بسرعة آلمْته وظهرت على ملامحه المعاناة وهو يقول بضيق متوجّع:
 أبي وأمّي...!
اقترب عثمان بسرعة وهو يضع يده على كتفه ويقول بابتسامة صافية مُطمْئنة: 
لا تقلق عليهما، لقد أتى والدك إلى هنا حتى أنه تبّرع لك بدمه..
ارتاحت ملامح وجه بهاء بسرعة عجيبة وهو ينظر إلى عيني عثمان الذي أكمل مُشاكسًا:
 لقد كان مصرّا على التبرع لك بدمه كله لأنه يعتقد أنك بدون دم..
ثم أخرج لسانه بسرعة ليغيظ بهاء الذي بدأ بالابتسام فأكمل عثمان بلا مبالاة وهو يشيح بوجهه: 
وقد أقنعناه أخيرًا أن دمك ثقيل للغاية ولا تحتاج لهذا!

اتسعت ابتسامة بهاء حتى ضحك ضحكة عالية سعل بعدها في ألم 
فاقترب عمير هذه المرة وهو يسحب عثمان من أذنه رغم ضحكته في داخله على ما يفعله وقال بحزم:
 أنت مطرود يا عثمان، من الخطر ترككُ تتفاعل مع بهاء في هذه الساعة!
أخرجَه من الغرفة وعثمان يهزّ الغرفة الهادئة بضحكة مُشاكسة،
 أغلق الباب خلفه فساد الهدوءُ المكان مرة أخرى،
 ثم جذب عمير نفسًا عميقًا وهو يلتفت إلى بهاء الذي لم تختف ضحكتُه بعد وهو يجلس مُستندًا إلى وسادة وضعها عثمان خلفه، ثم سأله بتركيز: 
بهاء، أرجو أن تُجاوبني الآن بطريقة سريعة عن كل ما حدث لك.

 أعتذر عن استعجالي لك هكذا ولكن بما أن القضية وصلتْ لأن يكون بهابيهو مجرمًا 
لا يُراعي أرواح الناس فيجب علينا السرعة والجدّية في القبض عليه.
هزّ بهاء رأسه متفهّما وهو ينظر بثبات لعُمير.
فجلس الأخير على كرسي بجانبه وقال بهدوء: إذن.. من أصابك؟ ولمَ؟

سعل بهاء قبل أن يتكلم ثم تغلّب على نفسه قائلا بصوتٍ متماسك: لقد تقابلنا أنا وعثمان في زقاق ضيّق.. ثم فوجئنا بهابيهو يقفز فوقنا، 
ويهبط في نفس الزقاق، لم يكن قد رآنا!
حاولتُ الهجوم عليه بتهوّري، لكنه قيّدني بيدين قويّتين، 
على الفور أخرج عثمان مسدسه وهمّ بالرد عليه لولا أنه جعلني درعًا فأُسقط في يد عثمان ولم يعرف ماذا يفعل خصوصا عندما هدده بقتلي، 
فاضطر لتسليم سلاحه، بعد أن أخذ بهابيهو مسدس عثمان قام بدفعي له، ولكنني هممتُ أن ألتفت له بحركة لا يتوقعها وأفاجئَهُ بهجوم، 
وبالفعل كنت سأفاجئه لولا ردة فعله السريعة بأن رفع المسدس وأطلق عليّ ولاذ بالهرب بعدها!
رفع عمير حاجباه قائلًا: إنه نفس الكلام الذي قاله عثمان.

هدأ بهاء بعد كل ذلك التوتر الذي أحس به في أعماقه فقد خشي ألا تُطابق أقواله أقوال عثمان، 
لكن بفضل الله عثمان أخبره القصة همسًا وهو يضع الوسادة خلفه!
 ثم بنى بهاء عليها التفاصيل الباقية التي تطابقت مع قصته الأولى.
حكّ المفتش عمير رأسه بسبّابته وهو يقول في تفكير عميق: ولكن بهابيهو لص لم يلطخ يديه بالدماء،
 فلم يحصل مرة واحدة أن جرح أحدهم، إنه ماهر في ضربهم وإفقادهم الوعي فقط، فكيف يضرب بمسدس؟
تردد بهاء وهو يُطرق رأسه لا يجد جوابًا، فابتسم عمير قائلا وهو يُربت على كتفه برفق: 
لا بأس عليك يا بني، المهم أنك نجوت منه ولله الحمد،

 فقد أسعفك عثمان لحسن الحظ بسرعة، ورغم أننا ظللنا نبحث عن بهابيهو لمدة ثلاث ساعات بعد إرسالك للمستشفى إلا أننا لم نجد المجرم.
وعقد حاجبيه بأسف عند هذه الجملة، نظر بهاء بعزم إلى عمير قائلا بقوة:
 سوف تجدونه يا أستاذ عمير بعون الله!
نظر عمير مليا إلى عينيه فوجد الصدق يفيض منها! تنهد وهو يغمغم: إن شاء الله.
ثم قام ليخرج من الغرفة قائلا وهو يلوّح بيده لبهاء:
سأبلغ رئيس قسمي بالتقرير الجديد، هروب بهابيهو وبقاء الضحية في المستشفى،
 ولكن بعض النقاط المجهولة المحيرة سأسألك عنها بعد أن ترتاح يا بهاء إن شاء الله.
بعد أن أغلق الباب، تنهد بهاء هذه المرة بحزن من أجل اضطراره للكذب هكذا!

 وشرد في منظر الباب إلا أن دخول عثمان فجأة لفت انتباهه،
 ابتسم عثمان بهدوء وهو يُغلق الباب خلفه.
وعلى غير العادة ظلّ عثمان ينظر بابتسامة صامتة إليه حتى جلس على الكرسي نفسه الذي جلس عليه والده،
 ثم اختفت الابتسامة والاثنان ينظران لبعضهما، لم يفهم بهاء معاني عينا عثمان التي ظل يحدّق بها إليه في ثبات وتحدّ، 
وانتظر بهاء ما سيقوله لكنه لم يتكلم!
فعقد بهاء حاجبيه بانزعاج وغمغم: ما بك؟
فوجئ به ينظر له بحدّة قائلا: هل أنت بهابيهو المُجرم؟

انفرجت شفتا بهاء المصدومتان للدفاع عن نفسه ولكنه سكت قليلا، ثم قال بقوة: كلّا. لست أنا!
رفع عثمان حاجبيه على أشدّهما وهتف بانفعال: تكذب علي أيضًا؟!
أسدل بهاء جفنيه بحزن على عينيه وهو يهمس: أنا لا أكذب عليك..
وقف عثمان من جلوسه بعصبية قائلا: هل تعني أنني لم أرَك وأنت في ملابس بهابيهو؟ لم أرك وأنت مصاب في جنبك؟ 
تنهد بهاء ووضع يده في شعره وكأنه يشده، فهذه عادته منذ صغره عندما يتوتر، وقال بصوت هادئ دافئ بوجهه المتعرّق:
ألن تتأكد مني إذن؟ أم أنك تُلقي التُهم جُزافا على صديقك وتُصدّق عينيك فقط؟

اضطرب عثمان وأشاح بوجهه وهو يقول في تردد: وما معنى أنني رأيتك بالأمس في ثياب بهابيهو؟
 حتى أنتَ بنفسك، اعترفتَ بأنك بهابيهو المجرم الذي يتعدى على حقوق الغير!
انفعل بهاء وهو يقول محاولا تماسك أعصابه: لم أعترف يا عثمان، لا تقل شيئا لم أفعله!
قال عثمان منزعجا: كل الأدلة تدل عليك، لولا أنني بدّلت ثيابك سريعا بعد أن فقدتَ وعيك بين يديّ! 
وحتى العصابة الرمادية التي تربط بها رأسك وتتلثم بها، رميتها بعيدا، وعندما جاء أبي ومعه بقية الشرطة، وجدوا بهاء الذي أصابه بهابيهو..
 ولم يجدوا بهابيهو الذي أُصيب عن طريق مجهول! ولم يعرفوا أن الاثنين رجل واحد!

تنّهد بهاء وهو يغمض عينيه ويسترخي في سريره في محاولة منه لكتم انفعاله، أمام صديقه عثمان الذي قال بحدّة:
لو أن أحدا من الشرطة جاء ورآك بملابس بهابيهو فاقد الوعي ومصابا في جنبك،
 لقبضت الشرطة عليك بتهمة أنك بهابيهو اللص!
 ولكن لحسن حظك فبعد أن بدلت ملابسك الخارجية بملابس عادية وأنت فاقد الوعي،
 جاءت الشرطة وأسعفتك، وكل دليل عن بهابيهو اختفى.
وأضاف في ألم: والآن بعد أن خفت عليك، قلتُ في نفسي أريد أن أستفسر منه أولا وأفهم منه حكايته ثم نتفاهم معه في وضعه، 
فربما يكون هناك سوء فهم، تأتي وتقول لي أنك لست بهابيهو.. هل ستخدعني؟

تنفس بهاء بعمق وهو ينظر إلى عثمان الذي هدأ بعض الشيء وقد أخرج كل ما في قلبه، فقال له بعينين عميقتين: 
عثمان، هل ستصدقني إذا قلتُ لك أنني لستُ بهابيهو اللص الحقير الذي تتكلم عنه؟
نظر إليه عثمان بارتباك، وصمت عدّة دقائق وعندئذ أعاد بهاء سؤاله قائلا بانفعال وإحباط: هل ستصدقني؟
تنهد عثمان وهو يغمض عينيه مُتنهّدًا: نعم!
تمتم بهاء في راحة: الحمد لله؛ صديقي عثمان ما زال يثق بي!

شعر عثمان بندم مُشفق على خذلان بهاء هكذا، لكنه ما لبث أن تذكر ذلك المجرم الذي ذاع صيته في الأخبار، فسأل عندئذ بفضول: 
ولكن يا بهاء، فسّر لي كل هذه الحوادث، وما سرّ أنني وجدتك مصابا بملابس بهابيهو، ما دمت لست بهابيهو؟
أجابه بهاء مبتسما بصدق: ولكني أنا بهابيهو!
حدق عثمان إليه بدهشة وصدمة، ثم قال بانهيار: 
ولكننك قبل قليل تقول أنا لست بهابيهو! هل ستجننني معك يا بهاء؟

ضحك بهاء ضحكة طويلة، ثم وضع يده الدافئة على يد عثمان المنفعل، وقال له باسمًا: 
سأخبرك كل شيء يا عثمان، أعدك بذلك، ولكن الآن، أخبرني، ألم تجد أفضل من الخطة التي قلتها لأبيك؟ لقد كانت كلها كذبا!
قال عثمان بتضايق: ولكنني كنت مرتبكا جدا من صدمتي برؤيتك في هذا المنظر، وكذلك لم أدر ما أقول، ففكرت في هذه الفكرة!
تنهد بهاء في إحباط: كلّها كذب! لم أكن أريد ذلك، كنتُ أريدها تورية!
تنهد عثمان وهو يقول: ولكنك أيضا كذبت أيها المحتال، بل وأكملت كذبتي!

مطّ بهاء شفتيه، وهو يقول:
 لم يكن هناك حل بالنسبة لي! آه المهم أن يسامحنا الله على ما فعلنا، لن أكذب ثانية، سأحاول قدر الإمكان الصدق أو التورية.
همّ عثمان بالجلوس ليسمع منه قصّته لولا أن يد بهاء امتدّت إليه لتوقفه، فنظر له مُستفسرًا وهو يغمغم: ماذا تريد؟
اتسعت ابتسامة بهاء بشكل عجيب حتى خُيّل لعثمان أنه سيضيئ بعد قليل، ثم قال بصوتٍ صافٍ:
 أريد مساعدتك، سوف أصلّي الفجر!

 ___

"ماذا ستفعل يا أبي؟"

سأله عثمان، فأجابه أبوه وهو يجلس على كرسي حول المائدة ليُفطر: أفكر في انتظار عملية بهابيهو الجديدة والإمساك به.
جلس عثمان بجانبه، وقال وعلى شفتيه طرف ابتسامة: لا أظنّه سيعود للظهور مجددا في هذه الأيام!
دخلت أم عثمان قائلة وهي تحمل طبقين من الحساء: السلام عليكم.

ردّ الاثنان التحية وأخذ عثمان منها طبقا وساعدها بوضعه على المائدة،
 في حين ابتسمت الأم وهي تقول: أما زلتما منشغلين بقصة بهبوهو هذا؟
ضحك عثمان مرددا: بهبوهو! يا أمي، إن اسمه بهابيهو.
رددت الأم في غير مبالاة: بهبوبهو، بهابيهو، فليكن اسمه (مهبب) حتى، مالنا وماله!
ضحك عثمان بينما قال الأب عمير في تضايق: إنه لص يقتحم بعض الشركات والمكاتب، 
وأحيانا بعض المنشآت العامة، ليقوم بفضحها أو بسرقتها، ومدير قسمي يكلفني بالقبض عليه!



شعر عثمان بمعاناة والده في القبض على بهابيهو، وفكّر في داخله كيف ستسوء الأمور لو علم والده بأن بهاء أصلا هو بهابيهو،
 وسوف يحصل سوء الفهم نفسه الذي حصل أول مرة له، يا الله.. 
الوضع معقد، وصعب، فوالد عثمان متحمس جدا للقبض على بهابيهو الوغد الذي أصاب بهاء برصاصة!

___

والدة بهاء (غدير 37سنة) ووالد بهاء (طارق 42سنة)
غدير تقول بتضايق وهي تربط شعرها الحريري الناعم الأسود: يا له من ولد.. لقد غاب يوما كاملا عن المنزل،
 دون أن يخبرنا بأي شيء.. ألا تعتقد أننا من المفترض أن نُخبر الشرطة؟ أليست هذه المدة طويلة؟
ابتسم طارق بهدوء وهو يفكّر كيف يُخبرها ما حصل لابنها، بطريقة لطيفة بعض الشيء.
فقال: تعلمين، لقد حجزت الشرطة بهاء.
هتفت بفزع وهي تلتفت إليه: ماذا؟ ولم؟

قال لها وهو يقوم واقفا: اهدئي يا غدير، لقد كان شخصا مهما بحيث شهد على جريمة، وأثناء تلك الجريمة أحدهم قام بضربه ضربة بسيطة..
عقدت حاجبيها في عدم فهم وهي تردد: ضربة بسيطة؟
أجابها ببساطة مبتسما: نعم، ولكنها كانت مؤلمة له بعض الشيء، ولذلك ظل يصرخ حتى ذهبوا به إلى المستشفى.
ازدادت حيرتها وهي ترى أسلوبه الملتوي، فقالت بحذر: إذن هل هو بخير الآن؟
قال مؤكدّا: نعم نعم، ولكن يجب علينا زيارته هناك لأنه ابننا الغالي نوعًا ما.
ابتسمت بقلق وهي تقول: حقا؟ أهي إصابة بسيطة أم..

قام بالترتيب على كتفها قائلا ببساطة ضاحكًا: بالطبع وهل سأكذب عليك؟
 الآن هيا البسي عباءتك سريعًا حتى لا يغضب لتأخرنا عليه، 
وأنا سأقوم بتجهيز السيارة ريثما تنتهين.
أخذ مفاتيحه وخرج من المنزل، والتفت غدير إلى الباب المُغلق وراءه تضع يدها على قلبها وتنظر بقلق بالغ: 
حقا؟ أهو بخير؟
_


ليست هناك تعليقات

تعليقاتكم دوما تُشجعني، فشكرُا جزيلا لكم